أميركا والفخ الأوكراني.
د.نسيب حطيط
هل أخطأت الإدارة الأميركية بالتحرش السياسي بروسيا في أوكرانيا... وهل سيبدأ التقسيم والتفتيت للقارة الأوروبية بدء من أوكرانيا ...وهل يبدأ الصراع بين الشرق والغرب في اوكرانيا؟
إن الإدارة الأميركية بعد فشل مشروعها الشرق اوسطي وعجزها عن حسم المعركة على الساحة السورية اتجهت نحو الإتحاد الروسي وبدأت بالقصف المباشر على القلعة الروسية بعد محاولاتها الأولى الفاشلة في الشيشان وجورجيا وكما في الشرق الأوسط حيث اعتمدت على المتطرفين الإسلاميين لقلب الأنظمة الحاكمة وهدم محور المقاومة ،فإنها في أوكرانيا اعتمدت على المتطرفين القوميين (النازيين الجدد)المعروفون بحركة (القطاع الأيمن) بزعامة ديمتري ياروش الذي سارع إلى مناشدة المتطرفين الشيشان لمساعدته في حربه ضد روسيا واستخدمت أميركا وأوروبا أسلوب الحصار الإقتصادي والعزل السياسي لروسيا وكأنها دولة من دول العالم الثالث وهددت بطردها من مجموعة الثمانية، كما طردت سوريا من الجامعة العربية وكانت المراهنة الأميركية بأن روسيا بإدارة بوتين لا زالت طرية العود ولا تستطيع المواجهة العسكرية وكذلك الضعف عن تحمل المواجهة الإقتصادية والعقوبات بعد فترة الركود الإقتصادي طوال عقدين من الزمن، أعقبت إنهيار الإتحاد السوفياتي لكن البيدر الروسي جاء مغايراً لحسابات الحقل والتخطيط الأميركي حيث يدير بوتين اللعبة على عكازين:
- العكازة القومية
- العكازة الدينية
إن الهدف الروسي من رفع شعار حماية المواطنين من أصل روسي في أوكرانيا ،بعنوان قومي سيفتح الطريق أمام الإدارة الروسية لتعميم هذا الشعار في كل جمهوريات الإتحاد السوفياتي السابق ويجعل لها رأس جسر للتدخل في كل هذه الساحات رداً على التدخل الأميركي من جهة ونشر "فيروس" القوميات والإثنيات في أوروبا ،مما يهدد كل الدول الأوروبية بدون إستثناء بهذا الفيروس القاتل ولا تسلم منه أي دولة مما يعرضها إما للتقسيم أو للحروب الأهلية وإذا أضيف لهذا التهديد ما تنتظره أوروبا والغرب عموماً من عودة التكفيريين الذين هاجروا إلى سوريا والذين سيستغلون خبراتهم وثأرهم للرد على الحكومات التي باعتهم وتركتهم في آتون الصراع ووضعتهم بين خيارين، إما القتال حتى الموت في سوريا أو السجن والعقاب إذا فكروا بالعودة إلى بلادهم.
أما العكازة الدينية ،فبعد إنهيار المنظومة الشيوعية واستعادة الكنيسة لجزء من دورها الإجتماعي والسياسي ولأن الحرب في شمال القوقاز شعارها ديني ضد المسيحيين والملحدين الشيوعيين فإن بوتين يسعى لدعم القومية الروسية بالحافز الديني والمقدس مما يجعله قادراً على حشد كل الشرائح الشعبية بمواجهة الهجوم الأميركي وأدواته النازية والتكفيرية.
الإستراتيجية الروسية تقوم على أساس القتال عبر خطوط دفاع متعددة وأهداف مترابطة، فخط الدفاع الأول يهدف للحفاظ على وجودها وسيطرتها على أوكرانيا أو غيرها كخيار أول، فإذا لم تستطع ستلجأ إلى تقسيم أوكرانيا وأخذ ما تستطيع وعدم تركها للغرب بشكل كلي واستنزافها داخلياً بحروب أهلية دون حاجة للتدخل العسكري الروسي المباشر وقد نجحت روسيا بتجربتها الأولى في جزيرة القرم وبالطرق الديمقراطية والوسائل السلمية حيث تم إقرار الإنضمام طوعاً إلى الكيان الروسي على أمل تثبيته في الإستفتاء الشعبي وبعده ستلجأ روسيا إلى تكرار ذلك مع المناطق الموالية لها والناطقة بالروسية حيث ستكون اللغة مرتكزا اساسيا للتقسيم وبالتالي تحتفظ بأكثرية الجغرافيا الأوكرانية مع إحتفاظها بالرئيس الشرعي بانوكوفيتش وعدم إعترافها بالسلطة الإنقلابية.
إن التهديد الأوروبي والأميركي بالعقوبات الإقتصادية ضد روسيا هو صراخ في فضاء الوهم والغرور الغربي ،حيث أن أوروبا الصناعية التي تنتج ،بحاجة إلى أسواق إستهلاكية عالمية وهي تخسر الأسواق واحدة تلو الأخرى ،فبعد خسارتها للسوق الإيرانية نتيجة العقوبات الإقتصادية وكذلك السوق السورية وسوق دول أميركا اللاتينية... فكيف بإمكانها خسارة السوق الروسية والجمهوريات المتحالفة معها في نفس الوقت الذي تعاني فيه من المنافسة الإقتصادية الصينية وفي ظل الخوف من إفلاس أربع دول أوروبية (اليونان – إسبانيا- قبرص- إيطاليا...) وعدم قدرتها على تحمل تبعات إنضمام دول أوروبا الشرقية المتخلفة عنها إقتصادياً.
إن المحاولة الأميركية بالضغط على روسيا في حدائقها الخلفية لإجبارها على التراجع عن مواقفها بتأييد سوريا أو إيران ،سينقلب على الهيبة الأميركية لأنها وضعت روسيا أمام خيارين، إما الإستسلام والتبعية أو الدفاع عن مصالحها وأمنها القومي ولا تستطيع روسيا إلا اتخاذ القرار الصعب وهو الهجوم الدفاعي لأن أي تراجع أو مهادنة أو تنازل يعني بدء السقوط الروسي وبداية التفكك للأمن الروسي وإنهيار روسيا كقوة عظمى، وهذه هي المعركة الأخيرة التي تخوضها أميركا في لعبة قمار سياسي قبل الإنسحاب إلى حدودها والإنعزال عن العالم.
قليل من الصمود والشجاعة ...ستثمر صفعة قوية للمشروع الأميركي ولإعادة التوازن إلى العالم.